كلمة لابد منها
أَجِدُ صعوبةً في تَمَثُّلِ هذا النص الروائي التاريخي الذي استوعبتْ كتابتُه زمنا طويلا. أحيانا، أجِدُه بسيطا، اسلوباً و معنى، واحيانا اجده غزيراً، مثل نهر النيل، كُنْهاً و مَبْنَى ! و لَعَلَّ هذا التناقض هو الذي جعلني أتَخَيَّلُه، إن كُتِب له النشر، تارةً مُجَرّد أوراقٍ للسَّمَرِ العائلي الجميل، لا تتجاوز اسْوارَ مدينةِ بشار، و تارة حروفا خافقة، تنطلق من ثراها، تُحَلّق عاليا، وتسافر بعيدا الى بلادِ ما وراء البحار !
لقد حدّثني البطل، الأول و ليس الوحيد للرواية، عن قتاله و مغامراته باللسان الدارج، فسَجَّلتُ صوته، ثم اعَدْتُ صياغَته كتابةً بالعربية الفصحى، دون تغيير جوهري مقصود، و أضَفْتُ إليه بعضَ ما بلَغَني من رواياتٍ محلية، وأثريتُه بما يناسبُه من احداث تاريخية، وكنت حاضراً، في السَّرْد، مِثْلَ كل اديب، تصويراً و تَأَمُلا.
و من الملائم ايضا، الاشارة الى ان كتاب " بشار وضواحيها بين التاريخ و الاساطير" «Béchar et sa région entre histoire et légendes » ، للباحث عبد القادر هاني، الذي تَمَيَّزَ بصرامة علمية محترمة، صعبة التحقيق في بحوث العلوم الانسانية، كان مُطَمْئِناً لي بخصوص ما توصلتُ إليه في محاولة فَهْمِ قضية زكريا. بالفعل، فإن الباحث أشار في الصفحتين 167 و 168 الى أنه، و بعد مؤتمر الصومام، "(...) بَدَأ بعضُ إطارات الحركة المسلحة ابناءُ الناحية يتحدثون عن الإقصاء، الذي أدى الى عدمِ وصول ايّ منهم الى الاجهزة العليا لقيادة المنطقة ". فكانت هذه الفكرةُ متناسقةً مع ما بلغني عن موقف زكريا من تلك القيادة، و مساعِدَةً لِتَصَوُّرِ مَسارِه الثوري الذي ظل مُغَيَّباً ردحاً من الزمن. و إذا كان الادبُ بالأساس ذاتيا، فإنه سيفقد، هو و التاريخ، مساحة معتبرة من وظيفته في الحياة حينما يخاصم العقل، و يَأْبَى ان يشاركَه الحوار. إن محاولة الجمع بين الذاتية و الموضوعية أمرٌ غير مستحيل في حقل الأدب الخصب المديد. و الصدقُ، لا يَرْفُضُ ان يَحْمِلَه اسلوبٌ انيق في سياق مُمْتِع . إن كلماتِنا، بهذا التصوُّر، تحاول أن تَقْتَبِسَ، قَدْرَ ما تستطيع، من روعةِ الجمال ونُبْلِ الضمير الحيّ، في نفس الآن.
واحْتَوَتْ الروايةُ نصوصاً فرنسية حقيقية، عَزَوْتُها لأصحابها، وعَرَّبْتُها، تيسيراً للقارئ العربي. فالحوار المقتضب، الذي تَضَمَّنَه النص، و دار بين الجنرال ديغول و الجنرال صالان في مدينة بشار مثلا، لم يكن خياليا، بل أدرجته كما ورد في صيغته الاصلية، و ترجمته الى العربية، من مذكرات صالان الفرنسية، فانْقادَ لِلسِّياقِ دون إكراه ! كما اقتبست من تلك المذكرات قصة الهجوم بالبازوكا، دون ان اتنازل عن حقي في التعبير! و مع ذلك، فإن التجاذب في كتاباتنا، بين الذاتية و الموضوعية، شاهد على أننا ننتمي الى عالم الناس. إنني لا أعتبر ما جاء في سرد الرواية هو وحده الحقيقة التاريخية، بل مجرد إسهام من أجل الوصول الى تلك الحقيقة، واقتراح إضافة أدبية في عالم الثقافة، قد يستظل بها " إنسان" يبحث عن لحظة استراحة من وَعْثاءِ السفر في الحياة.
و هو تصوير جزئي و مقتَضَب للأشخاص و المشاعر و الوقائع و الاماكن، لا يمكنه بِحال أن يَشْمل كُلَّ مَشاهِد ثورةِ التحرير الجزائرية في منطقة بشار. بعضُ تلك المشاهد، كما صورْتُها، تنتظرُ الناقدَ الذي يقوِّمُها و المفكرَ الذي يستنطقها و يستخرج مراميها، والمؤرخَ الذي يستأنس بها، و الاديبَ الذي يسترشد، في كتابته، بمسارات كثيرة، اشرت اليها ولم أبْلُغْ منتهاها، يُكْمِلون ما غاب عني من حقائق و جولات، بأساليب قد تكون اكثر وعياً و دقةً و جَمالا.
وهابي بن رمضان
Título : لا تسرقوا البارود
EAN : 9798201989156
Editorial : Ouahabi Benramdane
El libro electrónico لا تسرقوا البارود está en formato ePub
¿Quieres leer en un eReader de otra marca? Sigue nuestra guía.
Puede que no esté disponible para la venta en tu país, sino sólo para la venta desde una cuenta en Francia.
Si la redirección no se produce automáticamente, haz clic en este enlace.
Conectarme
Mi cuenta