نحن حين نكتب نرتكب فعل الوشاية في حقِّ أنفسنا، نُعرّي عواطفنا، مواقفنا، ونوبات جنوننا، ننكشف مهما تنكَّرنا.
أن تحمل القلم معناه أن تملك شجاعة الخروج بوجهك عاريًا من الأصباغ، أنت الحقيقي، أنت الأنت، فالقلم والقناع لا يلتقيان وإلّا وُلِدَتِ الحروف مشوَّهة مُعاقة.
كلُّ كاتبٍ يكتب ورقًا يشبهه، ونحن نحبُّ مِن الكُتّاب مَن له القدرة على قراءتنا وبسطنا على الورق، إنّه الّذي يُدهشنا يُبهرنا، يصدمنا، يفاجؤنا ويُبدع في قراءة خبايانا.
« أن تؤلِّفَ كتابا؛ أن يقتنيه غريب في مدينة غريبة؛ أن يقرأه ليلًا؛ أن يختلج قلبه لسطرٍ يشبه حياته -ذلك هو مجد الكتابة » يقول يوسف إدريس.
والحقيقة أنَّ كلّ كاتب يتجلّى في كتاباته.
وحين سئل العرّاب أحمد خالد توفيق عن روايته « في ممرّ الفئران » وكيف خرجت بكلِّ ذلك السَّواد، أجاب بأنَّه كتبها في ذروة التَّشاؤم والقرف واليأس.
فقد كان يمرُّ بحالة اكتئاب؛ فأتت الرّواية سوداء تشبه حالته النّفسية، لقد عالجته الكتابة غير أنّها صبغت بالسّواد نفوس قرّائه.
«كان هناك توتّر داخلي طلّعتو على الورق كنوعٍ من التطهُّر، لقد طلب منّي النّاس جرعة تفاؤل وأنا مش عارف أعمل ايه، فاقد الشّيء لا يُعطيه» يقول العرّاب. وأمّا روايته «يوتوبيا»فقد قال أنّها كانت ناتجة عن خوف شديد على المجتمع المصري.
«كتبتُها لأني بمجرّد ما أرى مخاوفي متجسّدة على الورق أحسّ أنّني قهرتُها نوعًا ما». الكتابة كانت العيادة النفسية للعرّاب، يدفن فيها أحزانه ومخاوفه وحالاته النّفسية الأشدّ قتامة وسوادًا.
وأمّا عبّاس محمود العقّاد فقد قرن الكتابة بكينونته، يوجد لأنّها توجد: « إنّي لا أتمنّى أن أصل الى سنّ المائة كما يتمنّى غيري، وإنّما أتمنّى أن تنتهي حياتي عندما تنتهي قدرتي على الكتابة والقراءة».
ورفع كافكا الحرف إلى مستوى القداسة: «الكتابة شكلٌ من أشكالِ الصّلاة» يقول. ولمحمّد الماغوط، كانت الوطن والأرض: «عالمي هو الكتابة أنا خارج دفاتري أضيع، دفاتري وطني.»
الأكيد أنّ كلّ من كتب باح وانكشف بشكلٍ أو بآخر، دخل في مبارزةٍ مع الحرف فإمّا غالبٌ أو مغلوبٌ.
والكتابة معاناة ومطاردات دونكيشوتية للأفكار التي تصلح لبناء النّص/ الحُلم، فقد تستغرِقُك الفِكْرةُ أعوامًا دون أن تنضج ويحين أوانُ قِطافِها، مخاضٌ طويلٌ لا تدري مُنتهاه.
هل تُصَدِّقُ أنَّ الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا أمضى 15 سنة قبل أن تكتمل في رأسه فكرة روايته «مائة عام من العزلة» ، وقضى 30 سنة مطاردًا لفكرة روايته «وقائع موت معلن،» قبل أن تصبح في كامل بهائها وتغريه ليجسِّدها عى الورق ويقتسمها مع القارئ؟
وأنا اذ أقف الآن بين أيدي هؤلاء العظماء الّذين تورّطوا عشقًا في الكتابة، أضع بين أيديكم إصداري الأول هذا وأنتظر.
من يدري؟!
فقد يأتي يوم أسمع فيه أنّ أحدهم «اختلج قلبه لسطرٍ يشبه حياته»؛ فأعيش مجد الكتابة على طريقة يوسف إدريس.
فوزية لهلال
لافال 2020
Título : تعلق عاصفي
EAN : 9781393947691
Editorial : Green Wave
El libro electrónico تعلق عاصفي está en formato ePub
¿Quieres leer en un eReader de otra marca? Sigue nuestra guía.
Puede que no esté disponible para la venta en tu país, sino sólo para la venta desde una cuenta en Francia.
Si la redirección no se produce automáticamente, haz clic en este enlace.
Conectarme
Mi cuenta