كغيمة ثقلت ماء زلالا، وأصبحت غير قادرة على السيطرة على هذا السيل الغزير
فأرسلته خيرا وفيرا و دررا ثمينة ليطفئ لهيب الأرض العطشى بعد جفاف وحر بغيض، وفيض بشر لعيون أنهكها الأمل والألم والانتظار الطويل، فشع النور اللين في الأحداق مهلّلا للغيث النّافع، فاض قلبي الصبيّ و وجداني الفتيّ بجحافل من الوجد والشوق والحنين لأمس بعيد قريب... قريب بطعم الشهد اللذيذ مازال طعمه المغري بين شفتيّ أتذوقه بحلاوة ما بعدها حلاوة ولسان حالي يردد
لله ما أحلى الطفولة
إنها حلم الحياهْ
عهد كمعسول الرؤى
ما بين أجنحة السبات.
وتناثرت في ذهني الخالي ألوان لأثواب جميلة، وفساتين لبستها، وأنا أتقمص دور سندريلا في قصر والدها أو أراقص الوهم في قصر الأمير الشهير، ودقات قلبي تتتالي حبا وتتوالى خوفا من حلول منتصف الليل الذي أفسد علينا جمال أحداث القصة... وأثواب الأعياد وما أكثرها في صغري، هدايا والدي القريب الي قلبي، ووالدتي التي وطنت كبدي وحاكت معي ولي خيوط أوقات رائعة حالمة ما كنت أحسبها تهرب من بين أناملي الصغيرة ولا يظل منها غير هذا الطعم في فمي. وشرائطي وأحذيتي وجواربي الملونة، وسباق الحلازين، ومأمأة الخرفان، و مواء الهرة الرابضة في حجر جدتي تزاحمنا حبها المقدس، كم أحببناها، ولعبنا حولها، وهنئنا بصحبتها، فجدتي ملاك في زي أدمي، إذ اَستعارت من الأنبياء تسامحهم وطيبتهم، وصفاء سرائرهم، وخطفت من الشمس دفأها ووهج حضنها، وأهدتها الروابي عطرا من أريجها المخلوط بقطرات الندى التي جلبها الربيع من بلاد العجائب الساحرة، وحاكت من عطفها رداء أفضل من كل بُرْدٍ تحضننا فيه كلّما جلبنا صوتها المغناطيسي لسماع حكاياها المشوّقة، فتحملنا إلى عوالم من الخيال والأحلام ولا ندري كيف نمنا حولها كفراخ تحت جناحي أمهم. و ما نسيت صرامة أبي اللينة، وعطفه الذي تفضحه عيناه العسليتان الواسعتان، وجدي الغالي مهربنا وحامينا إذا اَرتكبنا حماقات بسيطة، يرشدنا ويؤنبنا ويدلنا للصواب ويكون صورا منيعا لنا أمام العقوبات المفتعلة، وحيّنا الجميل تنبعث منه روائح التربة المبللة في أماسي الصيف المعطر بالياسمين يتدلي من شرفات البيوت ونوافذها، وبياع الفطائر والحلويات، وعربته الجميلة والجرس المعلق عليها يقرعه خلال تنقلاته في الأحياء، تخطف عقولنا، فنسرع صوب الأمهات و الجدّات نستعطفهن مليمات قليلة مقابل كثيرا من القبل... آه جميلة هذه الأطياف التي لا تتركني أهدأ ولا ألين... فأسرع الي دفاتري أخط ملامحها لأسجلها شواهد على عمر مضى كحلم. أو كطيف مر مسرعا ولم يتمهل قليلا، أحداث بسيطة جميلة سلسة مر بها كل طفل، وأثمرت نقوشا رائعة في حاضره ومستقبله.. ويقويني كبير أن نفس التفاصيل الحالمة نسجت خيوطها ملامح رائعة في حياتكم قرائي الأعزاء... وأملي أكبر في أن تجدوا ضالتكم بين هذه السطور، وإن تشبع نهمكم في تقصي اخبار وأحاسيس أبطال هذه الحكايا، التي ستمس فيكم كل الجوانب الوجدانية المنيرة، و ستجدون بين طياتها ماضيكم وحاضركم فقد أردتها مخضرمة فيها مراوحة بين الهوية العربية والانتماء الحضاري وبين المعاصرة و مواكبة العصر بتطوراته، ودعوة للنشء إلي التمسك بالجذور الأصيلة والإنفتاح على الآخر وقبول ما يزيننا ونبذ ما يشيننا، وأن لا نغتر بما يغزونا من عولمة لأنها كالسيف ذات حدين، ان لم نوظفها توظيفا مفيدا لنا كانت لها سلبيات نفسية وصحية وأخلاقية وتعلمية.
ما أروع تصفح الكتاب بين أحضان الطبيعة أو مع أهلك ومحبيك، أو بين أحضان معلمك يقوِّمُ ما أعوجَّ من نطقك أو كتابتك.... فتعال صديقي إلي دروب جميلة أثَّثتْها الكلمات والصور والألوان الجميلة، تعال نبني من الحروف قصورا ونشيِّد أحلاما، إذا بثثنا فيها حبّا وصدقا وأملا ثبت بذرها، ونبت، واَرتفع شجرة طيبة جذورها بيننا وفرعها في سمائنا تظلل أيامنا.
Título : قصص بناني
EAN : 9798201887872
Editorial : Green Wave
El libro electrónico قصص بناني está en formato ePub
¿Quieres leer en un eReader de otra marca? Sigue nuestra guía.
Puede que no esté disponible para la venta en tu país, sino sólo para la venta desde una cuenta en Francia.
Si la redirección no se produce automáticamente, haz clic en este enlace.
Conectarme
Mi cuenta