كنت استقبل صباحات أيام الثورة بالتفاؤل، ما بين جمعة الغضب وجمعة الزحف، يشكل هذان اليومان قوسى حدثٍ كبير، شهدت بعض أيامه مفاجآت تراجيدية، وأمور صغيرة صنعت أحداثاً كبيرة.. فيأخذنا الكتاب في جولاتٍ حرة في ميدان التحرير لنرى كيف قامت الثورة من تغريدة لوقفة احتجاجية صامتة، ثم علت هتافاتها وتعاظمت بطولاتها الجماعية. ما دفعني لتوثيق أحداث الثورة لإيماني العميق بأننا نصنع حدثاً تاريخياً، أبت أحداثه ومشاهده أن تُفارق مخيَّلتي.. وربما كنتُ الوحيد الذي أفلت بعدسته ومفكرته دون أن تنحني الرأس ليعبر الرصاص.. وفي الليلة الأولى طرحت جريدتي في حديقة الميدان..كانت أحلامنا كبيرة بحجم السماء.. جلست أستلهم حالة الثورة فكراً وثقافةً وإبداعاً وتحليلاً دقيقاً للحياة داخل الميدان.. عشت أحلام الشباب وتطلعاتهم، وقمع النظام، وحيله في التغطية الإعلامية وتضليل الشعب واستقطابه وتأليبه ضد الثوار، كما جاء خطابه العاطفي وكأنه ألقى قنبلة دُهنية في وجوه الجماهير أسالت مشاعرهم فتعاطفوا معه وانصرفوا في الليل..
وفي الصباح أقف على كوبري أكتوبر، أرفع كاميراتي.. أحرر العدسة قليلاً.. فتأسرني الذكريات.. حيث عبرت درافيل المتظاهرين يوم الغضب تطوي جسراً هائلاً من الزمان.. ومن أسفله الآن تعبر الجمال والحمير وحضرات السادة الضباط مع الجمع الكريم من "المواطنين الشرفاء".. جاؤوا بكل أسلحة الغزو في العصور الوسطى.. تعجبنا كثيراً من غباء هذا النظام وسياساته وأدواته التي كان البعير فيها هو القشة التي كسرت ظهر البعير الذي فكر في مواجهة اللاب توب بديوان امرئ القيس" مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معاً.."
ولا توجد ثورة سياسية لا تغير واقعاً اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، لأن مفهوم الثورة يعني طفرة في الوعي، تعقبها موجات ارتدادية.. وكما شهد قائد الحرس الجمهوري بأن الثورة أحدثت صدمة وشللاً فكريًا في أجهزة الدولة، ولم يستطع أحدٌ التصرف وإصدار القرارات"، فهي ثورة عميقة في الوعي وحدث جلل فارق في التاريخ المصري الممتد لسبعة آلاف عام لم يحقق فيها الشعب إنجازاً مماثلاً بإجبار الحاكم على التنازل عن الحكم سلمياً. وهو ما دفع مبارك نفسه إلى توجيه التحية إلى ألدّ أعدائه "شباب الثورة"، لأنهم حموا الوطن من عصابات النهب والسلب التي أطلقها نظامه، واعترف مبارك أن نظامه كان عبارة عن "تشكيل عصابي يحكم مصر" .
فالمعتاد أن من يصنع التاريخ هو القصر الرئاسي والحاكم وحده. أما في الثورة؛ فمسار التاريخ لا يتحدد بقرارات مصيرية كبرى يصدرها الحكام، وإنما ترسم ملامحه قرارات عادية اتخذها أناس عاديون في لحظات مختلَسة من عمر الأوطان.. هؤلاء الشباب والفتايات غيروا مسار التاريخ لأنهم شعروا أنهم قادرين على صناعة مستقبلهم بأيديهم بعيداً عن رمزية الرموز وسيطرتهم، فقرروا أن يصنع الشعب تاريخه بنفسه وبعقلٍ جماعي وبطولاتٍ جماعية ليتغلب على القصر الرئاسي وينتزع منه قلم التاريخ، فانتقل القلم من القصر إلى الميدان، مما أربك المؤرخين.." فهذا الكتاب ليس محاولة لتوثيق حدث انتهى، بل محاولة للترحيب بك فى حدث لا نزال نعايشه"
Título : 25 يناير ثورة شعب (الجزء الأول)ء
EAN : 9781386641780
Editorial : Mohamed Mabrouk
El libro electrónico 25 يناير ثورة شعب (الجزء الأول)ء está en formato ePub
¿Quieres leer en un eReader de otra marca? Sigue nuestra guía.
Puede que no esté disponible para la venta en tu país, sino sólo para la venta desde una cuenta en Francia.
Si la redirección no se produce automáticamente, haz clic en este enlace.
Conectarme
Mi cuenta