في هذا الكتاب سنحاول الوقوف على ملامح العقل العربي بالمقارنة مع مجتمعات أخرى، أي سنجري مسقطاً رأسياً بمعيار القومية على الفكر والنتاج المعرفي لكل قومية كي نرى هل نحصل على اختلافات فكرية تبعاً لاختلاف القوميات أم لا، فنحن على يقين بأن الهوية الوطنية القومية لهي الأساس في بناء الفكر والوعي، أي مسألة سلالة عرقية. فالعقل البشري إذا ما تحدثنا عنه بصفة عامة على كل البشر وكل الشعوب سنجده متجانس في مستوى معين، وفي هذه الحال لا يمكن التفرقة بين "عقل أوروبي " و" عقل عربي" أو فكر أوروبي وفكر عربي، إنما إذا نظرنا بنظرة عرقية قومية على المجتمعات (أي باستخدام مجهر) ستظهر أمامنا فروق جوهرية، هذه الفروق منشأها السلالات العرقية التي هي منشأ القومية والنسيج الاجتماعي لكل شعب..
ولكن هناك حالات يطغى فيها مؤثر لشعب ما على الشعوب المجاورة له فيصبغها بطابعه العام وتنطمس سماتها وخصوصياتها، ومنذ حقبة الفتوحات العربية حدث طمس للقوميات وسيادة للقومية العربية (الحجازية) ومن ثم تعطلت نسبياً القدرات الذاتية لهذه القوميات وصار الشائع والسائد هو العقل العربي ومن هنا جاءت تسمية " العقل العربي" أو " الفكر العربي" ليس لأن هذه الشعوب تفكر بعقلية متجانسة ولكن لأن السائد عليها هو طريقة تفكير العقل العربي منذ حقبة الفتوحات.. والدليل؛ لو نظرنا إلى ما قبل هذه الحقبة سنجد أن كل قومية لها تراث معرفي مختلف عن الأخرى، ولها منهجية فكر وبحث وعمل وبناء مختلفة عن الأخرى، ولها تاريخ إنجازات مختلفة عن الأخرى. فلا يمكن أن تدخل فصلاً دراسياً وتجد جميع الطلاب يستخدمون منهجية واحدة في البحث إلا إذا كانوا غشاشين من بعضهم أو مُوجهين لاتباع منهجية دون غيرها أو عاجزين عن إخراج طاقاتهم الذهنية الذاتية، في هذه الحال تتماثل القرائح لأنها اتفقت في التعطل عن الإنتاج.
ومن هذا الطرح نفهم أنه طالما هناك إبداع ذاتي، فلا بد أن يكون هناك اختلاف وتنوع بين العقلية المصرية والعقلية العراقية والعقلية العربية.. وهذا ما نسميه الهوية الوطنية أو القومية.. إنما إذا اتفقت هذه الشعوب جميعها تحت مسمى" العقل العربي" فندرك فوراً أنها لا زالت تعمل تحت غطاء وسطوة العقل العربي ولم تتحرر بعد، لم تستطع التمرد على العقل العربي الذي سيطر على أسلافها قرون طويلة وعاش طور الريادة والسيادة عليهم.. فالأمر لا ينحصر في مسألة ممارسة السيادة السياسية والسيطرة الاقتصادية للعرب على هذه الشعوب، بل هناك قيد عقلي ثقيل ما زال رابضاً على أدمغتها، هذا القيد نتحسس وجوده من آثار ما تبقى من القومية العربية مثل اللغة العربية، فهي من بقايا هذه الاحتلال العربي، حيث في إيجبت (مصر سابقاً) كان السلطان العربي(الحاكم بأمر الله) قد أمر بقطع لسان كل من يتحدث غير اللغة العربية، فتحول الشعب من الجبتية (القبطية سابقاً) إلى اللغة العربية، وما زال هذا مستمراً حتى الآن، حتى وإن خضع العقل الجمعي لهذا الوضع وقتها واستمر هذا الخضوع حتى تحول بمرور الوقت إلى نوع من الرضا، لكن هذا الارتضاء لا يعني اختيار ولا يعني تحرر مما حدث ولا رضاء بما حدث في الماضي، ولكن يعني استسلام للأمر الواقع لأنه أصبح واقع.. وبتتابع الأجيال على هذا الواقع لم تعد الأجيال الجديدة تشعر بمرارة الألم الذي لحق أجدادنا عندما فُرض عليهم ترك لغتهم وتعلم اللغة العربية.. خصوصاً أن العرب خدعونا وربطوا القومية العربية بالدين الإسلامي، وكأنه لا يمكن أن تكون مسلماً إلا إذا أصبحت عربياً، لأن الرسول عربي ! برغم أن الرسول ما جاء عربياً إلا لعلاج القومية العربية...
Título : ظلال العقل العربي (ج1)ء
EAN : 9781393800484
Editorial : Mohamed Mabrouk
El libro electrónico ظلال العقل العربي (ج1)ء está en formato ePub
¿Quieres leer en un eReader de otra marca? Sigue nuestra guía.
Puede que no esté disponible para la venta en tu país, sino sólo para la venta desde una cuenta en Francia.
Si la redirección no se produce automáticamente, haz clic en este enlace.
Conectarme
Mi cuenta